الخميس، 9 سبتمبر 2010

المستحيلات أربعة










الغول والعنقاء والخل الوفي وحقوق الإنسان في مصر






تشير تقارير خطيرة إلى تدني حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي عموما، وفي بلد كبير مثل مصر بصفة خاصة، حيث تتكشف بين الحين والآخر انتهاكات غير إنسانية تتجافى مع كافة الأعراف والتقاليد والدساتير التي تحكم العالم المتحضر، للدرجة التي تدفع الكثيرين أحيانا من التهكم على مصطلح "حقوق الإنسان" في حد ذاته، فقد يبادرك البعض بمجرد سماعه لهذه المصطلح، وهل هناك وجود لما يسمى حقوق إنسان في مصر، كما يعتبرها كثيرون خرافة أشهر من كدبة إبريل، أما من يعتقدون أنها ضمن المستحيلات الأربعة فهم كثيرون.


وللبحث عن أدنى تمثيل أو تطبيق لهذا المفهوم "اللقيط"، طالب مجموعة من المهتمين بالشأن الحقوقي الحكومة بالتنفيذ الفوري للتوصيات التي وافقت عليها أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بجينيف والبالغ عددها 119 توصية، وذلك في إطار المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان لملف مصر بشأن وضعية حقوق الإنسان، مؤكدين على أهمية قيام الحكومة بوضع جدول زمني وآليات محددة لتنفيذ تلك التوصيات ، مطالبين الحكومة في ذات الوقت بالموافقة على التوصيات التي أجلت النظر فيها حتى شهر يونيه القادم والبالغ عددها 25 توصية، وإعادة النظر في التوصيات المفروضة ولاسيما وأنها تتعلق بملفات أساسية ( الطوارئ، التعذيب ، استقبال المقررين الخاصين ).


وأعلن المشاركون عن تشكيل لجنة وطنية لمتابعة مدى استجابة الحكومة لتوصيات جينيف من عدمه، ومدى وجود أية تطورات ملحوظة بشأن تلك التوصيات سواء على مستوى التشريعات والقوانين أو من ناحية الممارسات، وستجرى هذه المتابعة على المدى القصير حتى نهاية شهر يونيه 2010 موعد الاجتماع القادم للمجلس، وعلى مدار الأربع سنوات القادمة موعد المراجعة الدورية المقبلة،


جاء ذلك خلال ندوة " جنيف…ما حدث وماذا بعد ؟ " التي نظمتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وحضرها عدد من ممثلي الأحزاب السياسية وأعضاء مجلس الشعب ورؤساء تحرير الصحف ونشطاء حقوق الإنسان ونقابيون .


بداية ، أكد حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الحكومة قد قبلت التوصيات ذات الصياغة العامة والفضفاضة والمتعلقة بالحقوق الاقتصادية والمرأة والطفل، في حين تجاهلت الحكومة التوصيات التي نصت على الالتزام بالبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ، ودعوة المقرر الخاص المسئول عن قضية التعذيب بدون تأجيل وتسهيل زيارته لمصر، وتنقيح المواد 129و126 من قانون العقوبات الخاصتين بجريمة التعذيب وذلك من أجل توسيع مجال فرض العقوبات على مقترفيها ومنع الإفلات من العقاب، وتعديل المادة 126 من قانون العقوبات لتتماشى مع اتفاقية مناهضة التعذيب، وعدم تجديد قانون الطوارىء في إبريل 2010.


وأضاف أبو سعده أن الحكومة لم تحدد جدول زمني وآليات محددة وواضحة لتنفيذ توصيات جينيف، مطالباً إياها بقبول توصيات المجلس الدولي لحقوق الإنسان ككل متكامل غير قابل التجزئة ، وأن تلتزم بشكل جدي بالتوصيات التي وافقت عليها أمام المجلس الأممي، مع وضع إطار زمني، واستراتيجية محددة الملامح للتعامل مع الملفات الأساسية " الطوارئ ، التعذيب ، القوانين المعيقة للحقوق والحريات ، والتعاطي مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، واستقبال المقررين الخاصين بمصر مع تحديد جدول زمني بذلك، وتنقيح البنية التشريعية لتتلائم مع الاتفاقيات الدولية ".


وطالب رئيس المنظمة المصرية القوى السياسية والمجتمعية بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ الحكومة لتوصيات جينيف، مطالباً الحكومة في ذات الوقت بإشراك منظمات المجتمع المدني ومختلف القوى الوطنية في حوار دائم وفعال بشأن الآليات والإجراءات اللازمة لتنفيذ تلك التوصيات ، بغية تحسين وضعية حقوق الإنسان بالبلاد، باعتبار مصر دولة رائدة في المنطقة.


مطالب بحرية تكوين الاحزاب


وأعرب أبو سعده عن استغرابه من تعامل الحكومة مع منظمات المجتمع المدني بالوقت الحالي، مشيراً إلى أنه برغم كشف آلية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان ، عن مدى أهمية الدور الذي أضحت تلعبه تلك المنظمات فيما يخص تقييم مسار حركة حقوق الإنسان في مصر ، ولاسيما منذ انضمامها للمجلس أضحت تلعبه تلك المنظمات فيما يخص تقييم مسار حركة حقوق الإنسان في مصر ، ولاسيما منذ انضمامها للمجلس الدولي لحقوق الإنسان عام 2007 وحتى الآن وقيام هذه المنظمات -ومن بينها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- بإعداد تقارير في هذا الصدد، وقد صدرت في تقرير مجمع من قبل المجلس الأممي ، غير أن المفاجأة بالنسبة للجمعيات الأهلية -الشريك الأساسي في عملية التنمية والإصلاح- كانت بإصدار مشروع قانون لاغتيال العمل الأهلي في مصر، وذلك بعد شهر واحد من مناقشات جينيف .


وطالب رئيس المنظمة المصرية الحكومة بإعادة النظر في هذا المشروع لكونه يشكل قيداً صارخا على نشاط الجمعيات الأهلية في مصر بشكل عام وجمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان بشكل خاص ، إذ يفرض قيود على عمل الجمعيات من الإنشاء والإدارة والتمويل والحل بقرار إداري ، بخلاف تشدد المشروع فيما يخص الشركات المدنية غير الهادفة للربح ومنعها من مزاولة عملها ، إذ اعتبرها المشروع بمثابة "أشباه جمعيات"، قاطعاً الطريق عليها في أن تصبح “جمعيات أهلية فعالة”، فضلاً عن إلزام الجمعيات بالانضمام القسري للاتحاد العام والاتحادات النوعية والإقليمية .


ومن ناحيته ، أوضح السفير محمود كارم الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان مدى أهمية مناقشة توصيات جنيف ، نظراً لكون المراجعة الدورية قد جرت بمنتهى الشفافية وكان على المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يعلن رسالته، وقد أعلنها بمصداقية وشفافية هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن الحكومة فكانت ممثلة بجينيف واستجابت لبعض التوصيات الصادرة عن المجلس الأممي، ورفضت البعض منها لتعلقها بأمور الدين وخلافه، ومن ناحية ثالثة فإن الرسالة لم تنته ولم تكتمل بعد، وعلينا مواصلة المسيرة ، مشدداً على أهمية عدم إهمال أي من هذه التوصيات.


وأضاف كارم أن الاتصالات مستمرة بين المجلس القومي لحقوق الإنسان والحكومة حول توصيات جينيف، وقد وضعت خطة زمنية محددة للتأكد من تنفيذها ، والتساؤل حول مصير تلك التوصيات التي تحفظت عليها الحكومة، وكذلك المرفوضة منها.


ووصف الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة التقرير الذي قدمته الحكومة إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان بأنه تقريراً “إنشائياً ” لبيان وضعية حقوق الإنسان في مصر، متجاهلاً عددًا من الممارسات التي تبعد عن جوهر حقوق الإنسان ، إذ تجاهل التقرير الحديث عن التعديلات الدستورية الأخيرة والتي أسقطت دور القضاء في الرقابة على الانتخابات ، مؤكداً أن التعامل مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان لا يتمثل في تقديم تقارير فحسب ، ولكن ينبغي اتخاذ إجراءات فعلية لتعزيز حالة حقوق الإنسان بالبلاد، فعلى سبيل المثال ينبغي رفع حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عام 1981 والتي أصبحت أشبه بحالة دائمة .














واستنكر أستاذ العلوم السياسية إهمال الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة للشكاوى التي يرسلها إليه المجلس القومي لحقوق الإنسان، بشأن انتهاكات تلك المؤسسات بحق المواطنين، معرباً عن قلقه من قانوني مكافحة الإرهاب والجمعيات الأهلية الجديد، وما سيضيفانه من سطر جديد في السجل الأسود للحكومة في تقييد الحقوق السياسية والدستورية على حد قوله .


وطالب السيد بإلغاء كافة القوانين المقيدة للحقوق والحريات العامة ، موضحاً أنه برغم كفالة الدستور لتلك الحقوق غير أنه هناك جملة من القيود تفرض عليها وفقاً للقوانين المعنية،ومن أمثلة ذلك الحق في التنظيم الذي يمارس وفقا للقانون الذي يقيده ، وذات الأمر بالنسبة للحق في تكوين الأحزاب المرهونة بموافقة لجنة شئون الأحزاب التي تتشكل من الحزب الوطني الديمقراطي ويسيطر عليها ، فضلاً عن سوء وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،فهناك مستويات متدنية من الأجور وارتفاع معدلات البطالة والأمية وسوء الأحوال الصحية.


وعن رؤية الأحزاب السياسية لماذا بعد جينيف؟ ، طالب عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد الحكومة بقبول كافة توصيات المجلس الدولي لحقوق الإنسان ، إذ يجب وقف حالة الطوارئ، وإلغاء الاتجاه لسن قانون جديد للإرهاب ، فهناك ما يكفي في قانون العقوبات ، فضلاً عن ضرورة الوقوف بقوة إزاء بعض الممارسات مثل التعذيب عبر توافر الإرادة السياسية والرقابة المجتمعية أيضاً، وإلغاء كافة القوانين المعيقة للحريات مثل قانون الأحزاب وقانون الجمعيات وقانون النقابات المهنية والعمالية ، وتنقيح البنية التشريعية لتتوائم مع المواثيق الدولية .


وشدد شيحة على أن المخرج الأساسي للأزمة المجتمعية هو تكوين تحالف يضم الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان مهمته الاستمرار في المطالبة بالإصلاح السياسي والمراجعة الشاملة للتقارير التي تقدم إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان لتعزيز مبادىء حقوق الإنسان وتكريس مبدأ المواطنة وبناء دولة القانون.






وأكد حسين عبد الرازق الأمين العام السابق لحزب التجمع أن تنفيذ توصيات جينيف يتطلب قيام الحكومة باتخاذ عدة إجراءات، من بينها إصدار قانون لمباشرة الحقوق السياسية على أساس القاعدة النسبية غير المشروطة، وإلغاء سلسلة القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان مثل قانون التجمهر الصادر منذ الحرب العالمية الأولى، وتعديلات في الدستور عاجلة للمواد 74و 76 و 77 و 88 ،وإلغاء المادة 74 من الدستور والمادة 179 ومواد أخرى تنهي هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، وكذلك المادة 3 من قانون الطوارئ التي تعطي للحاكم العسكري سلطات مطلقة.


أما إيهاب الخولي رئيس حزب الغد، فطالب بتنقيح البنية التشريعية الوطنية وإعادة صياغاتها لتتلائم مع المعايير الدولية، فنحن لسنا بحاجة إلى قانون لمكافحة الإرهاب المزمع ، وعلينا تحدي حقيقي كأحزاب سياسية ومجتمع مدني بغية تعديل المادة 176 من الدستور لجعل رئيس الجمهورية يمارس اختصاصاته عبر مجلس الوزراء ، مطالباً بإطلاق حرية العمل السياسي داخل الجامعة، وإلغاء الخط الهيمايوني، وبعض القوانين الخاصة بالعمال.وشدد الخولي على فتح حوار بين الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني بشأن ما التزمت به الحكومة من توصيات أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان .


وطالب محمد أنور عصمت السادات رئيس حزب العدالة والتنمية -تحت التأسيس- بإصلاح المناخ السياسي العام في مصر ، وتكريس مبدأ المواطنة ، ورفع حالة الطوارئ، وتحسين وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشدداً على مواصلة المسيرة المجتمعية -من خلال وقفات ومظاهرات احتجاجية- في الضغط على الحكومة بغية دفعها لتنفيذ التوصيات التي أقرها المجلس الدولي للإنسان بجينيف .














واختلف مع الآراء السابقة ، الدكتور جهاد عودة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلوان وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني ، مؤكداً أننا نعيش في نظام سياسي له سمات سلطوية وديمقراطية وانفتاحية بعض الشيء، ونحن الآن في طور تطوير نظام تعددي، مشدداً أن عملية الإصلاح والتغيير عملية تراكمية، فجمعيات حقوق الإنسان كان لا يسمح لها من قبل بعقد مثل هذه الاجتماعات ، أما الآن فالوضع قد تغير .


وأضاف عودة أن النظام السياسي المصري يشهد في هذه المرحلة عملية تطور ديمقراطي حثيث من خلال تعديل البنية التشريعية والسياسية بغية تأصيل وتعزيز قيم الديمقراطية، ولعل المثال البارز على هذا ما تملكه منظمات المجتمع المدني الآن من حق في عقد مثل هذه الاجتماعات وهو أمر كان صعب المنال في الماضي ، الأمر الذي يؤكد أننا أمام ممارسات ديمقراطية على حد قوله .


وأشار عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني على أن الدولة تسعى بكل قوة إلى تعزيز أسس الممارسة الديمقراطية وآليات المشاركة السياسية بالمجتمع، ولكن في الوقت ذاته ينبغي آلا نغفل الإمكانيات المتاحة لدى الدولة في هذا الصدد، إذ يجب الفصل بين حقوق الإنسان وتطوير ممكنات الدولة والأجندة السياسية،مؤكداً أن حقوق الإنسان مرتبطة بالصراع المدني وليس الصراع السياسي .