الخميس، 9 سبتمبر 2010

شوهته الحقبة الناصرية وأفسدته السلطة..






خبراء : مستقبل العمل النقابي في مصر علي كف عفريت




أجمع متخصصون ونشطاء في الشأن النقابي علي انه لا مستقبل للديمقراطية في مصر دون إصلاح أحوال النقابات، فالنقابات هي الرافعة الرئيسية للديمقراطية، مؤكدين ضرورة تحقيق الحرية النقابية الواردة في الاتفاقات الدولية وأكد عليها الدستور المصري.
وطالب النشطاء خلال الملتقى الديمقراطي الرابع "مستقبل العمل النقابي في مصر"، بتعديل التشريعات المنظمة للعمل النقابي في مصر والتي تسمح بتدخل السلطة التنفيذية في أعمالها عن طريق فرض جهات إدارة تابعة لها تعلوا سلطاتها على سلطات الجمعيات العمومية صاحبة الحق في الإدارة والإشراف على تلك النقابات.
وأوصى المشاركون في الملتقي نظمته الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، بضرورة تفعيل العمل النقابي للدفاع عن حقوق العمال، خاصةً أن مشكلاتهم بدأت تزداد بصورة كبيرة في حين لا تضم النقابات العمالية أكثر من 3.5 ملايين عامل من بين أكثر من 13 مليون عامل في مصر، وهو ما يجعل نضال العمال فرديًّا يصعب وصول صوتهم للمسئولين.
ازدواجية النقابات
المشكلات التي تواجه العمل النقابي حددها إلهامي الميرغني، الباحث في الشأن النقابي والمدير التنفيذي لمركز التنمية الصحية والبيئية، والتي تتمثل في التقسيم المتعسف للنقابات بين مهني وعمالي مما خلق ازدواجية في عضوية النقابات، على خلاف الأوضاع النقابية في مختلف دول العالم التي تلتزم بتطبيق المعايير الدولية للنقابة المستقلة، وبعض النقابات تجمع بين العاملين بأجر، أصحاب الأعمال، المهنيين، والممثلين عن السلطة التنفيذية للدولة، مما يعني أن النقابة تجمع بين فئات لديها مصالح متناقضة ومتعارضة .
وأضاف أنه لا توجد في مصر نقابات مهنية ولا نقابات عمالية في ظل التشريعات الحالية التي تعزل المهنيين عن العمال مؤكدا على ضرورة انتزاع الحريات النقابية وحق إنشاء النقابات دون قيود أو شروط من أية جهة إدارية بحيث تستمد شرعيتها من الجمعية العمومية لأعضائها وذلك وفق المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر والتي تلزمها بتطبيقها وفقا لقرارات منظمة العمل الدولية
من جهته رأي الدكتور مجدي عبد الحميد، الناشط النقابي، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية إن الملتقى يأتي ضمن أنشطة مشروع "نحو بناء فضاءات ديمقراطية" والممول من صندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية، مؤكدا على أنه لن يحدث أي تحسن في مسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي في مصر دون إصلاح أحوال النقابات المهني منها والعمالي وأن تدخل السلطة التنفيذية للدولة في أعمال النقابات أفسد النقابات وأصبح لا يوجد من يتفاوض باسم الأجراء والمهنيين مع أصحاب العمال والدولة.
وأضاف أن النقابات في مصر حتى الآن تقع تحت تأثير التشوه الذي أحدثته الحقبة الناصرية التي عمدت إلى السيطرة على تلك النقابات للحفاظ على ولاء أعضائها المنتمين للطبقة المتوسطة والتي كانت عماد النظام الحاكم في ذلك الوقت.
وأكد د. مجدي أن أزمة النقابات المهنية تتمثل في غياب معايير الحرية النقابية عنها وفرض الشكل التنظيمي النقابي الواحد عليها وحرمانها من التعددية وجمعها بين وظيفة إعطائها رخصة للمهنيين من أعضائها وبين دورها في التفاوض باسم أعضائها لتحسين مهنتهم وظروف معيشتهم.
وأختلف الحضور حول أهمية التعددية في مجال النقابات المهنية، ورأى البعض أن التعددية تعني تفتيت جهود النقابيين في مصر، إلا أن الحضور أجمع على مأزق عمل النقابات المهنية في مصر وأهمها تدخل الإدارة في إجراء الانتخابات وتعطيلها في 11 نقابة مهنية لمدد وصلت إلى 16 عاماً، ونادى الجميع بتعديل التشريعات المنظمة لعمل تلك النقابات كل منها على حدة، وكذلك إلغاء القانون 100 لسنة 1996 المنظم للعمل النقابي في مصر والذي اعتبروه "السيف المسلط على رقاب النقابات المهنية في مصر"، حيث خالف الحق في التنظيم الذي أقره الدستور المصري والمواثيق الدولية.
البعد عن السياسة
الناشط الحقوقي صابر عمار أشار إلي انه لا مجال للفصل بين العمل السياسي والنقابي بل يجب الجمع بينهم، رافضا الخلط بين العمل النقابي والحزبي.
واختلف معه رجائي الميرغني الصحفي والناشط النقابي، مؤكدا علي أهمية الفصل بين العمل النقابي والسياسي لأن لكل منهم مجاله، وأن حرمان بعض التيارات السياسية المعارضة من حق العمل السياسي خارج النقابات، حيث حرمت من تشكيل أحزاب إلى استغلال النقابات المهنية كوسيلة لتواصلهم مع أعضاء تلك النقابات المهنية من أبناء الطبقة المتوسطة، كما انتقد الصراع الدائر بين كل من حزب السلطة التنفيذية الحاكم والتيار الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين داخل النقابات المهنية، مما أضر بالعمل النقابي في مصر.
ورأي صابر بركات القيادي العمالي أن العاملين في المجال النقابي في مصر يفتقدون إلى الإبداع الذي يمكنهم من طرح أشكال نقابية مستقلة عن الطريقة التي فرضتها السلطة التنفيذية طوال السنوات الماضية والتي فرضت وصايتها على النقابات جميعها، وقد رفض الفصل بين كل منها وعرف النقابات بأنها "منظمة جماعية اختيارية يؤسسها وينضم إليها وينسحب منها الأفراد، بغير تمييز، وبحرية، ودون الحاجة إلى إذن مسبق، ولأعضائها وحدهم، طبقا لاختيارهم وبغير تدخل، تحديد بنيانها ونظمها الأساسية ولوائحها الداخلية"، ولذلك يرى أنه لا حل للخروج من مأزق العمل النقابي في مصر سوى إعمال المعايير الدولية للحريات النقابية التي تمكن المواطنين من حقهم في تنظيم وإنشاء النقابات.
وأكد على ضرورة إعمال مبدأ التعددية ، مشيرا إلي انه لا يمكن تصور وجود حركة نقابية سليمة في مجتمع لا يقر ولا يحترم الحقوق الأساسية لمواطنيه، فالنقابات مثلها مثل كل المنظمات الديمقراطية لا تنمو إلا في المجتمعات التي تحترم حقوق مواطنيها وحرياتهم، في إبداء الرأي والتعبير، والاجتماع، واللجوء للقضاء المستقل، وحماية حياتهم وسلامتهم، واحترام مقدراتهم ومراسلاتهم واتصالاتهم، وتخلو من الاستبداد والعنف.
من جانبها ، أشارت الدكتورة هويدا عدلي، الباحثة في الشئون الاجتماعية، إلي أن مسألة حرية تكوين النقابات، ومحاولة إنشاء نقابات مستقلة عن الدولة، ليست هي المعركة الحقيقية، وأن الأصل هو أن تلك التنظيمات النقابية وسيط بين الدولة والمجتمع، وعليه فإن المعركة لا يجب أن تكون من أجل إحداث قطيعة بين تلك التنظيمات والدولة، ولكن يجب أن تكون بغرض تصحيح هذه العلاقة.
تحرير العمل النقابي
من ناحية أخري ، أكد القيادي العمالي محمد عبد السلام أن بداية تحرير العمل النقابي في مصر يبدأ من تعديل قانون رقم 100 لسنة 93 والمقيد للعمل النقابي في مصر والذي يتضمن نسبة تعجيزية لاجتماع الجمعيات العمومية ويفرض الحراسة القضائية على النقابات ويتدخل في القضاء بتعيين القضاة في عمل إداري داخل النقابات لافتا إلى أن القضاة لا يرغبون في هذا العمل، مؤكدا أن القانون بشكله الحالي يخالف الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر وأيضا يخالف أحكام المحكمة الدستورية.

وأشار أحمد فوزي مدير مرصد حالة الديمقراطية إلى أن هناك تحديات عديدة تواجه قضية مستقبل النقابات المهنية، موضحا أن هناك مبادرات كثيرة تقدم بها المواطنون في الفترة الأخيرة لإنشاء أول لجنة نقابية مستقلة وهى الضرائب العقارية، كما أطلقت العديد من المبادرات مثل تجربة اتحاد المعاشات واللجنة التنسيقية كما شكل المواطنون من العمال والموظفين أثناء ممارستهم حق الإضراب لجانا تتفاوض باسم العمال مع الإدارات المختلفة وهو ما يمثل تحدى جديد للعمل النقابي المصري.

وأوضح انه في داخل النقابات المهنية شكلت أيضا لجان لإنهاء الحراسة حاولت الدخول في معارك قضائية مع السلطة التنفيذية للدولة ومارست كافة أشكال الاحتجاج السلمي ضد الحراسة مثل "مهندسون ضد الحراسة" مؤكدا أن كل هذه التجارب جعلت من الضروري أن نطرح أسئلتنا حول مستقبل العمل النقابي في مصر.