الأحد، 15 أغسطس 2010

البحث العلمى





إن الباحث العربي ينظر إلى واقع البحث العلمي والمؤسسات البحثية من المحيط إلى الخليج، نظرة تحسر وألم، لما ألم بـ " البحث العلمي " من معوقات وأزمات، حالت دون رقي الأمة العربية إلى مستوى الحضارات والدول المتقدمة .
ولعل هذا الكتاب يرصد أهم المعوقات والتحديات التي واجهت وتواجه البحث العلمي في مصر والوطن العربي .. ثم يرسم المستقبل المنشود للمؤسسات البحثية والعمل العلمي بشكل عام .. في زمن تتقدم فيه الدول والمؤسسات بفضل البحث العلمي الذي يتمتع بالإنفاق والدعم والحرية الأكاديمية التي تكفل للباحثين حياة علمية حرة .. ومناخاً علمياً يحقق النهضة الحقيقة التي تنشدها الدول والمؤسسات..
وإن المتأمل لواقع البحث العلمي العربي ومؤسساته في الدول العربية، يتبين له مدى الفجوة الواسعة بينه وبين المستوى البحثي والأكاديمي العالميين، فالدول العربية تفتقر إلى سياسية علمية محددة المعالم ، والأهداف والوسائل ..
وانظر إلى ما أسميه بـ ( 5 ليس ) :
ليس لدينا سياسة استراتيجية واضحة للبحث العلمي في الوطن العربي !
ليس لدينا ما يسمّى بصناعة المعلومات.. !
ليس لدينا مراكز للتنسيق بين المؤسسات والمراكز البحثية.. !
ليس لدينا صناديق متخصّصة بتمويل الأبحاث والتطوير .. !
ليس لدينا حرية أكاديمية كافية، كتلك التي يتمتع به البحث العلمي عند الغرب .. !
إضافة إلى البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية، والفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي الحكومية ، إلى جانب تأخر عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة إلى الدول العربية، و بقاء كثير من مراكز البحوث العربية تحت قيادات قديمة مترهلة، غير مدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي .. لا سيما في العلوم التكنولوجية والفيزيقية .. وإهمال التدريب المستمر للباحثين .. بل قد وصل حال كثير من مؤسسات البحث العلمي إلى تهميش الكوادر البحثية التي لا تتفق وسياسية السلطة أو إمكاناتها، ومن ثم يتم تهجير ـ أو هجرة ـ هذه العقول إلى الدول الغربية ، لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها، والمعززة لمواهبها، والداعمة لأفكارها الابتكارية ..
لقد عبر الكاتب الكبير فهمي هويدي عن واقع البحث العلمي والتعليم الجامعي في مصر بهذه المقارنة والمفارقة العجيبة ؛ حين أقمنا الدنيا ولم نقعدها،وهللنا وطبلنا، في مصر حين فاز فريقنا القومي بكأس أفريقيا في كرة القدم‏,‏ لكننا التزمنا الصمت وأصبنا بالخرس حين فضحنا إعلان دولي عن أفضل‏100‏ جامعة أفريقية‏,‏ كشف النقاب عن أن جامعة القاهرة العريقة انحط قدرها حتى أصبحت تقع في المرتبة الثامنة والعشرين بين جامعات القارة‏.‏ وحين صدمنا تقرير دولي آخر أخرج الجامعات المصرية من سجل‏500‏ جامعة محترمة في العالم‏,‏ في حين أخذت‏7‏ جامعات إسرائيلية مكانها في ذلك السجل‏.‏

ومن ثم لا سبيل لمحو هذا العار .. إلا بإنهاض البحث العلمي .. !

إن البحث العلمي من أشق وأرقى النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق، وهو نوع من الجهاد المقدس، من أجل صناعة الحياة وتحقيق التطور والنهوض، وهذا الجهد المنظم لا يمكن أن يجري في فراغ، حيث ينبغي توفير الحرية والدعم و الأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل.. إذ بالإنتاج الفكري نكون أو لا نكون !

وفي هذا الكتاب أرجو من القارئ ألا يعتريه التشاؤم بسبب الواقع غير المأمول للبحث العلمي .. ففي الكتاب كثير من الحلول التي تبشر بغد أفضل .. لاسيما وقد أيقنت كثير من الأنظمة العربية أن نهضتها في رعاية البحث العلمي وتبني قضيته .. كما تبناها المسلمون الأوائل فقادوا وسادوا الأمم ..